بعد أكثر من سنتين من وصول جائحة "كوونا" إلى المغرب، وبعد حرب استباقية خاضتها المملكة ضد الوباء؛ أولا بواسطة التدابير الأولى القاسية والمكلفة التي اتخذتها، وعلى رأسها الإغلاق في إطار حالة طوارئ صحية، وثانيا بتوفير اللقاح بالكميات الكافية، شرعت البلاد تعيش في خلق ظروف انتعاش اقتصادي، رغم الظروف العالمية غير المواتية (الحرب الروسية-الأوكرانية) وانعكاساتها على أسعار المواد الأولية.
في ظل هذه الظروف النسبية للانتعاش فتحت البلاد حدودها وأجواءها وعادت الحركية السياحية والأنشطة الرياضية والفنية للانطلاق، كما تستعد لعودة مغاربة العالم...
في موقف فير مسبوق، أكد رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز، في رسالة بعث بها إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أنه "يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب" مشددا على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف. موقف فاجأ كثيرا من الدول، لكن من شأنه أن يغير كثيرا من المعطيات الجيوستراتيجية بين إسبانيا والمغرب وأيضا بين هذا الأخير والاتحاد لأوروبي، خصوصا أن رئيس الحكومة الإسبانية أبرز، في رسالته إلى جلالة الملك، أن " البلدين تجمعهما، بشكل وثيق، أواصر المحبة، والتاريخ، والجغرافيا، والمصالح، والصداقة المشتركة". وأعرب السيد سانشيز عن " يقينه بأن الشعبين يجمعهما نفس المصير ايضا"، وأن "ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا والعكس صحيح".
وأكد رئيس الحكومة الإسبانية في رسالته الى جلالة الملك على أن "هدفنا يتمثل في بناء علاقة جديدة، تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب، وفي مستوى أهمية جميع ما نتقاسمه".
وفي هذا السياق، فإن "اسبانيا ستعمل بكل الشفافية المطلقة الواجبة مع صديق كبير وحليف". وأضاف سانشيز "أود أن أؤكد لكم أن إسبانيا ستحترم على الدوام التزاماتها وكلمتها".
يعرف الموسم الفلاحي الحالي عجزا مائيا كبيرا لم يسبق له مثيل في سجلات هطول الأمطار منذ ربع قرن.
في هذا السياق تأتي المقاربة الاستباقية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في تدبير هذه الوضعية،على اعتبار أن القطاع الفلاحي يكتسي أهمية قصوى في الاقتصاد الوطني، حيث يمثل ما يقرب من 14 في المائة من الناتج المحلي الداخلي، ما يعني أن البلاد قد تتأثر بشدة في حالة حدوث جفاف.
بعد تنصيب الحكومة، التي يرأسها عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، والمكونة، فضلا عن حزبه، من حزبي الاستقلال والأصالة المعاصرة، يقف هذا الملف عند أهم الأوراش التي أعلنت الحكومة عن فتحها.
في السياق الحالي، الذي انطبع بغلاء بعض المواد الأساسية وقلة التساقطات المطرية، لا بد أن تكون للحكومة عين على الأسعار وأخرى على الأمطار.
كما أعلنت الحكومة الجديدة عن إصرارها على فتح أوراش الصحة والتعليم والتشغيل، مع توضيح معالم وآفاق تنزيل
ورش تعميم التغطية الاجتماعية.
عامٌ آخر مضى، تحت وطأة جائحة "كورونا"، ليبقى الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي مؤجلا بسبب الانتكاسات الوبائية المتكررة. الإقلاع المنشود ما زالت تتهدده المتحورات المختلفة لفيروس "سارس كوف-2"، وآخرها متحورة "أوميكرون" التي أضحت معروفة بقدرتها الكبيرة على الانتشار. ولكن يبقى الأمل معقودا على التزام المغاربة بالتلقيح الكامل والتدابير الاحترازية وعلى رأسها ارتداء الكمامة بالشكل الصحيح.
تحوّراتُ "كورونا" تحيّر كل البشر، ومعهم المغاربة، لا مفر، وتجعل السياسات تتحور، بسرعة تحوُّر الفيروس الذي لا يهدأ على طوْر...
وكلما لاح قبسٌ من نور في آخر النفق، تعود الانتكاسة، ويكاد العدّاد يعود إلى الصفر، في غياب دواء، يخلّص الجميع من هذا "البلاء"، الذي تنوعت فيه أسماء يونانية من أحرف الهجاء.
وفي انتظار فسحة الأمل لإيجاد الترياق، تبقى الوقاية، الآن، أكثر من أي وقت مضى، "خيرا من العلاج" الذي طال إليه الاشتياق.
وعلى رأس التدابير الاحترازية، لا مندوحة عن أخذ اللقاح، بكل جرعاته المطلوبة، مهما كانت غير مرغوبة، خصوصا أنها متاحة للجميع، بدون مقابل، ولا حتى مواجيع... وقبل ذلك وبعده، لابد من العودة إلى الالتزام الصارم بارتداء الكمامات، وتنظيف الأيدي وما يتطلبه من مستلزمات، والتباعد الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص، في المناسبات والتجمعات، لأن دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لا بد أن تستمر مع الخروج بأقل الخسائر، حتى لا تتحوّر المصائر، بسبب "كورونا" الغادر، مهما حوّرته السنون إلى غير "أوميكرون"...