مجتمع
نور الدين عوباد.. خبرة مهاجرة تسكنها أحلام لمغرب المستقبل
18/04/2024 - 13:10
وكالة المغرب العربي للأنباءتلمع عيناه حين يستعيد سيرة المسار الصاخب ومفاجآت الطريق، يشتعل القلب وهو يرتب أوراق تلك الرحلة الحافلة بالإنجازات والعثرات، ثم يردد ذلك العدد باستغراب متجدد، وقد تهدج صوته بنوستالجيا عمر هارب: 34 عاما في المهجر.. ! مضت سريعة منذ ذلك الصباح الذي غادر فيه مسقط الرأس، سوق الأربعاء، ليحط الرحال في سويسرا بعد محطات قطار حملته الى اسبانيا وفرنسا.
العلامة الفارقة في سيرة نور الدين عوباد هي تلك الهوية الممانعة التي جعلته مغرقا في مغربيته ومبشرا بقيمها التقليدية ووجهها العصري على السواء، في غمرة اندماجه الكامل والناجح في بلاد أوروبية جاب مدنها وقراها، وتزوج وأنجب فيها، وحصل مالا وصيتا وشبكة علاقات واسعة.
يقدر كل ذلك ويعترف بفضل البلد الممتد بين جبال الألب، لكنه يتحرك اليوم بثقل هاجس ملازم بأن يجزل العطاء لبلاد ترتسم في نظره استعارة لصورة تلك الأم البسيطة الراقدة في قبرها، تلك التي باعت حليها ذات يوم لتنفق عليه زاد الطريق الى سويسرا.
مهندس اتصالات ابن مهندس في نفس التخصص. كان له جنوح الى الفن، وخصوصا الرسم، وقد هم بولوج شعبة الفنون التشكيلية في الطور الثانوي لكنه رضخ لإرادة الوالد الذي كان صارما وحازما في دفع أبنائه الى مسارات علمية تطبيقية.
بعد حصوله على الباكالوريا سنة 1985، تابع نور الدين دراسته بين جامعتي القنيطرة وفاس، في شعبة الفيزياء، لكنه كان قد امتلأ برغبة عارمة في ركوب الحلم الأوروبي، وإن ظل يحن الى تلك الحياة البوهيمية وصخب الشباب وذكريات الغرفة رقم 102 في الحي الجامعي ظهر المهراز.
في المغرب يزاوج هذا الرجل في أواخر عقده الخامس بين نشاط المقاول عبر مشاريع استثمارية وشراكات أعمال مع فاعلين أجانب ومغاربة، من جهة، ودأب المناضل الذي يعد ملفات تنموية تحمل مقترحات للنهوض بالنسيج الاقتصادي على الصعيدين الجهوي والوطني.
شعلة حماس جسدها افتتاح مقر بالرباط للمنظمة غير الحكومية التي يترأسها، منظمة النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، المعتمدة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة.
ومن المغرب، يتطلع لأن يسافر بالمنتجات الوطنية إلى سوق سويسرا المستهلكة والمتطلبة. يسارع الخطى لتكون جنيف عاصمة لمعرض كبير للمنتجات المحلية الوافدة من مختلف مناطق المملكة.
من منطلق قراءاته ومتابعاته للعديد من التجارب، يعول كثيرا على هذه المنتجات التي تخرج من أيدي البسطاء لتكون معاملا حيويا في دينامية صناعة الثروة ومحاربة الفقر والارتقاء باقتصاد اجتماعي فعال، لكنه يشدد على أن ذلك يمر عبر مجهود تحويلي وفكر تسويقي ناجع يحقق القيمة المضافة العالية.
ويبدو الرجل في موقع مناسب لخوض رهانات من هذا النوع، هو الذي استقبل حسابه البنكي مبلغ المليون دولار قبل أن يكمل الثلاثين، بضربة معلم يتقن قنص الفرص ويتفنن في صناعة الأحلام. بل إنه حصل المبلغ الأولي للانطلاق في عالم الاستثمار من تسوية قضائية سويسرية بتعويضه عن سرقة فكرة مشروع.
المقربون يصفون "نور" بالجرأة، وأحيانا بالجنون...وهو يبتسم، ويواصل الطريق. المغامرة وربح التحديات الرمزية أكثر ما يلبي ولعه، لا المال الذي خبر لعبته بين الربح والخسارة.
كان طموحه أبعد من وظيفة مريحة بعد أن تخرج من مدرسة المهندسين بلوزان سنة 1996 وشغل منصبا محترما في شركة عالمية لاتصالات الطيران. شغفه بالمبادرة الحرة قاده، أثناء دراسته أو بالتزامن مع عمله، عبر المدن، فريبورغ، لوزان، زوريخ وبيرن، الى تطوير مشاريع صغرى تحمل قدرا من الابتكار، فضلا عن تجربة إنسانية حافلة بالتعلم من أيام قضاها مساعدا اجتماعيا في مراكز رعاية المسنين.
كانت نكهة المغرب حاضرة أيضا على هذه الواجهة من خلال مطعم صغير حمل اسم "مراكش"، حيث أبهر السويسريين بوصفات من المطبخ المغربي الأصيل في صيغة وجبات سريعة.
روح المقاولة تسكنه منذ الصغر، هو الذي كان يؤجر غرف البيت الصيفي الذي تملكه أسرته في مولاي بوسلهام للمصطافين ليذخر ثروة صغيرة يمول بها موسمه الدراسي.
هذا النشاط كان جالب الصدفة التي حملته الى سويسرا، حين طرق بابه شاب سويسري ونشأت صداقة حقيقية مهدت له سبل الهجرة. يذكر دائما فضل باسكال الذي آواه في الأيام الأولى الصعبة وسلمه مفاتيح ولوج مجتمع لم يكن يعرف عنه شيئا.
من المهجر السويسري، ظل عوباد شديد الصلة ببيئته الاجتماعية والعائلية، يتملكه شعور بالواجب والمسؤولية. يحرص على ألا تقتلع شهوة النجاح الفردي ارتباط الفرع بالشجرة.
لهجته الغرباوية مازالت صريحة ومتعته الكبرى تتحقق في المدى البدوي المفتوح مع الأصدقاء والأقارب حول صينية شاي وخبز الفرن الطيني. تلازمه أيضا شهوة المغامرة التي تسكن شابا بعينين مفتوحتين على العالم الفسيح. فقد هام عامين في رحلة عبر أمريكا، من فلوريدا الى نيويورك وواشنطن.
كان ترحالا لتعلم اللغة، وفك أسرار هذه البلاد التي تقود العالم. غاص في عوالم اجتماعية واقتصادية وحلل ذهنية براغماتية تحول كل شيء الى مال. حاور مسؤولين وفاعلين كبار حول سؤال التنمية المستعصي عبر العالم، بحلم يرفض أن يسمى يوتوبيا. إنه يؤمن بأنه من الممكن بناء عالم بلا هوة بين الشمال والجنوب، وبحد أدنى من الرفاه للجميع.
فكرة صاغها في كتاب بعنوان بليغ: "1 دولار..لتغيير العالم". وحيث يتعطل الحلم بتغيير عالم تهزه العواصف، فإن حلمه المغربي عنيد وحاسم. كلما عاد الى جنيف من رحلة عمل الى المغرب، وحدق في تحولات الوطن الأم، كانت عبارته الأثيرة: "لا ينقصنا الكثير".
نزار الفراوي
مقالات ذات صلة
رياضة
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد