رياضة
مونديال .. أسرار النجاح المغربي الكبير
11/12/2022 - 13:57
يونس الخراشيالجواب كان بالنسبة إلي جاهزا. فقد عايشت مسيرة وليد الركراكي المدرب طيلة سنوات، وكنت شغوفا بالإنصات إليه، وهو يتحدث بتلك اللكنة الخاصة، ولاسيما بتلك الكلمات التي ظل يرمي بها في الندوات الصحفية عقب مباريات الفتح الرباطي، ثم الوداد الرياضي، بـ"نية" تقترب من السذاجة، وبمرح يقترب من السخرية، وبحدة تقترب من الثقة الكاملة في النفس.
لم يخف الرجل سرا يوما ما. بل لعله قال كل شيء، وبعفوية لا غبار عليها. قال :"ديرو النية، وديرو الخير مع الناس، وكونوا مرضيين مع والديكم، وغاديين تربحو". وبكلمات أخرى، يتعين على كل من يريد أن ينتصر، ويربح، وينجح، أن يكون موهوبا، ولديه قدرات ومقومات عالية، لكنه ملزم بأن يصقل تلك الموهبة والقدرات والمقومات بالقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية العالية، التي من الله بها علينا، وسيرى عجبا.
الجميل في وليد الركراكي أنه لم يكن يقول كلام الليل الذي يمحوه النهار، ذلك أن كل كلماته تجسدت على أرض الواقع، سواء وهو يقود الفتح الرباطي أو الوداد الرياضي، أو وهو يقود المنتخب الوطني المغربي، بحيث استطاع أن يجسر الفجوة بين بعض اللاعبين الغاضبين والمنتخب، ثم استطاع أن يخلق الانسجام الإنساني بين كل مكونات المجموعة، وتمكن من وصل القلوب مع بعضها البعض، بحيث شاهدنا لاعبا، مثل الحارس ياسين بونو، يوثر على نفسه لقب أفضل لاعب في مباراة المغرب ضد البرتغال، ويمنحه لزميله في الفريق، يوسف النصيري، الذي سما عاليا جدا، ليحرز هدفا من الخيال في مرمى البرتغال.
في مونديال قطر، على الخصوص، اتضح بالملموس، وعلى شاشات العالم كله، أن هذا الرجل، الذي هو وليد الركراكي، صنع معجزة. فالجميع يرى الفرح في عيون اللاعبين، ويلمسه على وجوههم، حتى قبل أن يدخلوا إلى المباريات. ولعل الذين تابعوا تدخلات الحارس الدولي ياسين بونو، وكيف كان يبتسم، رغم الجهد والتعب، ثم وهو يتحدث في الندوة الصحفية، وكأنه يخرج للتو من حديقة للألعاب وليس من مباراة ربع نهائي المونديال ضد منتخب البرتغال، بكل نجومه، وضمنهم كريستيانو رونالدو، سيتيقن بأن الركراكي منح مجموعته شيئا فوق الوصف؛ منحهم المحبة التي تؤكد أنهم موهوبون، ومقتدرون، وأصحاب حس مغربي رفيع، ويمكنهم أن يحققوا الأحلام.
حين انتهت مباراة البرتغال، وخرج اللاعبون إلى المنطقة المختلطة ليدلوا بالتصريحات لوسائل الإعلام الوطنية والدولية، قال اللاعب أنواحي، وهو أحد عجائب هذا المنتخب:"سنفرح الليلة ونرتاح، ثم في الصباح نبدأ العمل إعدادا للمباراة الأخرى. فنحن نريد البقاء هنا حتى 18 دجنبر". وكان هذا اللاعب يلخص بكلمات بسيطة تلك الروح التي تسود المنتخب الوطني، وهي روح الجدية، والشعور بالمسؤولية، مع الإحساس بالثقة في النفس، والقدرة على الفوز، ورفع التحدي، وكسب الرهان؛ أيا كان المنافس في الجهة الأخرى. وهو ما أكده البرازيلي كاكا، حين أشاد بأوناحي على بيين سبورتس، وقال:"كلام هذا اللاعب العجيب صحيح، فحين كانت البرازيل عائلة، فزنا بكأس العالم في 2002".
فما الذي يمكن لمدرب عالمي أو غير عالمي أن يمنحه للاعب كزياش أو حكيمي أو أمرابط في جانب الموهبة والأداء؟ وهل يمكن لأي مدرب أن يقوم تقنية لاعب مثل أبوخلال أو النصيري؟ وحين سئل ديل بوسكي مرة عما يقوله للاعبين، وهو يشرف على العمالقة في ريال مدريد، من رونالدو وزيدان وكارلوس وبيكهام، قال ضاحكا:"لا أقول لهم شيئا. أتفرج عليهم مثلكم". وعنى بذلك أنه لا يمكنك أن تقدم للاعبين كبارا أي شيء يفيدهم تقنيا، ولكن يمكنك تحفيزهم، والرفع من معنوياتهم، وسد الفجوات الإنسانية بيهم، ومحو الضغائن التي قد تفسد كل شيء، وتكسر مجاديف المجموعة، فتغرق السفينة.
هناك من يستصعب المواجهة ضد المنتخب الفرنسي، في نصف النهائي. وكأن باقي المباريات التي لعبها المنتخب الوطني لم تكن صعبة، على الأقل في الورق. والحال أن كل ما سبق يثبت بأن الضغط سيكون، مرة أخرى، على كاهل الفرنسيين أكثر مما سيكون على المنتخب الوطني المغربي. والعالم كله سينتظر مباراتنا ضد فرنسا أكثر مما سينتظر مباراة الأرجنتين ضد كرواتيا. ويكفي أن تعنون صحيفة إسبانية بأن كأس العالم هو منتخب المغرب، وتتساءل صحيفة أمريكية عما إذا كان المغرب سيربح كأس العالم، وتقول صحيفة إيطالية إن المنتخب المغربي هو فاكهة المونديال القطري.
قلناها مرارا، ولا بأس من التكرار. ما تحقق حتى الآن إنجاز تاريخي كبير، يتعين تدوينه بماء من ذهب. وهو إنجاز مغربي خالص، حياه كل الإخوة العرب وفي إفريقيا، وكل محبي المغرب عبر العالم. وهذا الإنجاز ليس كرويا وحسب، بل هو إنجاز دولة عرفت كيف تشتغل لسنوات على قطاع حيوي، يشكل رافعة للتنمية، ونجحت في أن تجعل منه نموذجا يحتدى في بقية القطاعات، لمن أراد أن ينطلق إلى العمل، ويسهم في التنمية، ويكون له نصيب في مغرب المستقبل.
كلنا أسود. كلنا مغرب الخير. كلنا مع الله والوطن والملك.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة