رياضة
مونديال 1974 .. الكرة الشاملة مع الطائر كرويف
10/11/2022 - 07:53
أ.ف.بأولت ألمانيا الغربية الأمن اهتماما خاصا، خصوصا بعد حوادث 1972 الدامية، وزاد الاهتمام لأنها وقعت مع ألمانيا الشرقية بمجموعة واحدة.
تنقلت المنتخبات بحماية الشرطة، سيجت بعض مقراتها بأسلاك شائكة، انتشر قناصة على الأسطح في بعض المباريات الحساسة على غرار مواجهة الألمانيتين، وخصصت سبع طوافات لمراقبة النهائي.
ستبقى مواجهة الألمانيتين تاريخية، وزاد من شهرتها فوز الشرقيين بهدف المهندس الميكانيكي يورغن شبارفاسر، أمام نحو ألفين من أنصارهم تمكنوا من عبور جدار برلين.
بسبب التوتر السياسي، لم يتبادل اللاعبون القمصان، باستثناء الغربي بول برايتنر في النفق المؤدي الى غرف الملابس في هامبورغ، مع مسجل الهدف شبارفاسر.
عنت النتيجة أن ألمانيا الغربية تفادت هولندا القوية والبرازيل حاملة اللقب في الدور الثاني. رغم ذلك، قال قائدها بكنباور "هدف شبارفاسر أيقظنا من سباتنا، لولاه لما أصبحنا أبطال العالم". أما شبارفاسر، فقال "إذا كتب على قبري +هامبورغ 74+ سيدرك الجميع وجودي هناك".
سبقت النهائيات أزمات سياسية أخرى، فرفض الاتحاد السوفياتي خوض إياب ملحق حاسم ضد تشيلي، بسبب الانقلاب على الرئيس الاشتراكي سلفادور أييندي.
تصفيات نجم عنها وصول أول منتخب أوقياني (أستراليا)، وأول دولة من جنوب الصحراء الإفريقية (زائير). لم تترك الأخيرة انطباعا جيدا، بخسارة موجعة أمام يوغوسلافيا 0-9، ولمحات كوميدية مثل خروج مويبي إيلونغا من حائط الصد لتشتيت ركلة حرة برازيلية قبل أن تتحرك الكرة!
في التصفيات أيضا، ودعت إنجلترا بطلة 1966 على يد بولندا وحارسها يان توماشيفسكي، مبعد ركلتي جزاء ضد السويد وألمانيا الغربية في الدور الثاني، في طريقها نحو المركز الثالث على حساب البرازيل والتي شهدت تتويج صانع الأقفال غرزيغورز لاتو هدافا (7).
ارتأى الاتحاد الدولي تغيير نظام البطولة، فألغى ربع النهائي ونصف النهائي، لصالح مجموعتين في الدور الثاني. بلغ معدل المتفرجين 48 ألفا، وكان ميونيخ الأولمبي درة الملاعب بتصميمه الحديث، فيما عكر الشتاء في عز الصيف بعض المباريات. وشهدت هذه النسخة أول حالة طرد بالإنذارات للتشيلي كارلوس كاسيلي ضد ألمانيا الغربية.
فشلت البرازيل "العجوزة" في تكرار ملاحم 58 و62 و70، فخيب ريفيلينو وجايرزينيو الآمال في غياب بيليه. رفض الجوهرة (34 سنة) اللعب احتجاجا على تعذيب مارسه النظام العسكري البرازيلي، مقاوما ضغوط وتهديدات الجنرالات الحاكمين، "تركت المنتخب في 1971 وكنت بلياقة جيدة في 1974. لكن قصة التعذيب جعلتني أكف عن ذلك".
في هذا الوقت كانت هولندا العائدة إلى المونديال بعد غياب منذ 1938 تفرض معادلة جديدة: "الكرة الشاملة". مع المدرب والملهم رينوس ميخلس، ابتكر يوهان كرويف مفهوم الـ "فوتبول توتال"، وهو نظام لعب مرن يعتمد على الضغط المكثف، حشد الهجمات وتبادل في المراكز.
بسطه ميخلس بـ "يستحوذ اللاعب على الكرة لثلاث أو أربع دقائق في المباراة. الكرة الشاملة هي أن تشرح له كيف يتحرك في الدقائق الـ86 او الـ87 المتبقية".
كانت هولندا على وشك الخروج من التصفيات أمام بلجيكا، لولا إلغاء هدف صحيح لجارتها في الدقيقة قبل الاخيرة في أمستردام. هدد لاعبوها بالانسحاب لعدم تسديد مكافآت التأهل، لكنها اصبحت لاحقا أفضل فريق لم يحرز كأس العالم.
صار اسم كرويف رديفا للكرة الشاملة: طويل ونحيف، يملك مهارة خارقة بالمراوغات المتعرجة، تسارعا رهيبا ومخيلة واسعة. أفضل لاعب ثلاث مرات في أوروبا وقائد أياكس لبطولة أوروبا 3 مرات، شبهه الكاتب الرياضي ديفيد ميلر بالفيسلوف اليوناني "بيثاغوراس بحذاء رياضي".
قال أشهر لاعب حمل الرقم 14 "لن أمضي بقية حياتي وأنا أشتم لعدم احرازي كأس العالم. لا ميدالية أفضل من الإشادة بأسلوبك". كان شخصية فذة ارتدى قميصا بخطين بدل ثلاثة لصانع الملابس أديداس، كي لا يغضب شركته الراعية بوما.
قال النجم الفرنسي ميشال بلاتيني لفرانس برس عن صاحب الشعر الطويل والمدخن الشره "هو أفضل لاعب في التاريخ"، ورأى مدربه ميخلس أنه "رجل قادم من المريخ".
عن نفسه، يقول كرويف الذي صنع أمجاد برشلونة الإسباني كمدرب لاحقا "ما هي السرعة؟ تخلط الصحافة الرياضية غالبا بين السرعة والبصيرة. إذا بدأت الركض في وقت أبكر قليلا من شخص آخر، فأنا أبدو أسرع منه".
لقنت هولندا خصومها دروسا قاسية، فراح ضحية كرويف ويوهان نيسكنس وجوني ريب ورود كرول وآري هان وروب رنسنبرينك منتخبات عريقة مثل الاوروغواي (2-0)، الأرجنتين (4-0) والبرازيل (2-0).
حتى إن ميخلس أوقف تمارين لاعبيه بعد الفوز على بلغاريا 4-1 في الدور الأول، مستدعيا زوجاتهم للنقاهة، وسافر يومين إلى مدريد للإشراف على مباراة فريقه برشلونة ضد أتلتيكو مدريد في نصف نهائي كأس إسبانيا.
بموازاة الأداء الهولندي المذهل، زحفت ألمانيا إلى النهائي من مجموعة أقل رونقا ضمت يوغوسلافيا (2-0)، السويد (4-2) وبولندا (1-0)، فكانت المواجهة بين الطائر كرويف والقيصر بكنباور في ميونيخ أمام 75 ألف متفرج بينهم 7 آلاف هولندي.
من الدقيقة الأولى، حصد كرويف ركلة جزاء ترجمها نيسكنس "كانت أول مرة اسدد ركلة جزاء بعصبية. عندما بدأت الجري فكرت +في أي زاوية سأسدد؟+ كانت تقريبا الجهة اليمنى من المرمى. في الخطوة الأخيرة، قلت +لا، سأسدد في الجهة الأخرى+ لم أكن أقصد التسديد في وسط المرمى".
ركلة غيرت معادلة حراس المرمى، من زاويتين يمنى ويسرى.. الى خيار ثالث وسط المرمى.
تراجع الهولنديون وتركوا ألمانيا تعادل من ركلة جزاء أيضا لبول برايتنر، ثم طبع المدفعجي غيرد مولر هدف الفوز (2-1) قبل نهاية الشوط الاول، رافعا رصيده إلى 14 هدفا في مجمل مشاركاته بكأس العالم، فقال كرويف "افتقدنا للاعب من طراز غيرد مولر".
قبل يوم من النهائي، أبلغ مولر مدربه هلموت شون أنه سيضع حدا لمسيرته الدولية بعمر الثامنة والعشرين، ليمنح عائلته وقتا إضافيا.
يروي بكنباور عن رد فعله وحسه التهديفي "ذات مرة كنت أحاول إبعاد ذبابة عن حسائي، لكن دون جدوى. كان غيرد جالسا بجواري. راقبها وعندما حلقت أطلق يده في ومضة. فتحها وابتسم ابتسامة عريضة، كانت الذبابة ميتة".
تحت رقابة بيرتي فوغتس اللصيقة، تشتت كرويف، فقبض الليبرو بكنباور على مكامن النهائي، وقاد ألمانيا لقلب تأخرها مرة جديدة أمام الفريق المرشح، بعد نهائي 1954 ضد المجر.
كان "القيصر" من أكثر اللاعبين كمالا الذين مثلوا ألمانيا وواثقا الى حد الغرور.
أصبح الرجل الأقوى مع بطل أوروبا 72، وعندما غاب المدرب هلموت شون عن أحد المؤتمرات الصحفية، مازح الصحافيون الألمان قائلين "لم يحصل (شون) بعد على تشكيلة الفريق من بكنباور".
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة