اقتصاد
هذا سلاح الناشرين ضد ضعف القراءة عند المغاربة
23/11/2020 - 09:13
مهدي حبشيجاءت جائحة فيروس "كورونا" لتفاقم واقع الكتاب الهش أصلاً في المغرب، إذ تكبدت دور النشر خسائر مهمة خلال شهور الحجر الصحي، نتيجة توقف نشاطها ونشاط الموزعين والمكتبات... إلا أن توجهاً عالمياً للطباعة الرقمية، يفرض نفسه اليوم حلاً لمشكلة الكتب غير المباعة على الأقل.
طباعة "تقليدية" ذات جودة ولكن...
جرت العادة أن يطبع الناشرون المغاربة كتبهم بتقنية "أوفسيت"، والتي يطلق عليها في عالم النشر أيضاً مصطلح "الطباعة التقليدية". وتقوم تقنية "أوفسيت" على وضع الصورة المحتوية على النص، على صفيحة معدنية ثم نقلها إلى بكراتٍ مطّاطيّة قبل إيصالها للورق.
وما تزال هذه التقنية هي الأكثر انتشاراً على الصعيد العالمي، إلا أنها وعلى الرغم من جودتها العالية في إنجاز الكتب، تنطوي على عيوب عديدة، من بينها الوقت الذي تتطلبه عملية الإنتاج، بين إعداد الآلة الطابعة وتجهيز الصفائح المعدنية ثم طبع مئات النسخ...
كما تنطوي هذه التقنية على إشكالية كبيرة، إذ أنها تكرِه الناشر على طبع 1000 نسخة من الكتاب على الأقل، "لأن النسخة الأغلى عبر الأوفسيت هي النسخة الأولى" يؤكد كميل حب الله، مدير دار "أفريقيا الشرق" المغربية، ذلك أن كل نسخة تكلف أقل من سابقتها، وهكذا لا يكون في صالح الناشر طبع ما يقل عن 1000 نسخة عبر "أوفسيت".
هذا التوجه يطرح إشكالية للناشر المغربي على مستوى الاستثمار والتخزين، يؤكد حب الله، في حديثه لـ"SNRTnews"، فضعف الإقبال على القراءة يجعل الكثير من الكتب لا تبيع سوى بضعة نسخ أو بضعة عشرات في أفضل الأحوال، "وهكذا تتراكم الكتب، ويكون على الناشر صرف ميزانية كبيرة لأجل تخزينها". وبعد مضي وقت طويل على التخزين دون بيع، لا يبقى أمام الناشر سوى تصريفها مجاناً أو حرقها، ما يكبده خسائر كبيرة، لكنها أخف الضررين مقارنة بمصاريف التخزين.
مكلفة ولكن مرنة
الطباعة الرقمية هي نمط طباعي يعتمد على نقل المعلومات من ذاكرة رقمية مباشرة إلى الورق، بواسطة آليات تكنولوجية حديثة.
وأوضح حب الله أن هذا الموسم الثقافي سيكون بداية توجه الدار التي يديرها، والتي تعد واحدة من كبريات دور النشر على الصعيد الوطني، نحو "الطباعة الرقمية"، مؤكداً أنه توجه عالمي.
وقال إن الطباعة الرقمية مكلفة، إذ أن 1000 نسخة بطباعة رقمية تكلف أكثر من 1000 نسخة بطباعة تقليدية (أوفسيت)، لكن الإيجابي في النمط الرقمي أنه مرن ويتيح طباعة العدد الذي يرغب فيه الناشر، وإن يكن نسخة واحدة، "بخلاف الأوفسيت الذي يجبرك على طباعة 1000 نسخة على الأقل".
وهكذا سيصبح بوسع الناشر أن يطبع نسخاً تساير الطلب، وفي حال تزايد هذا الأخير، يمكنه طباعة عدد آخر، وهكذا يحكم نجاح الكتاب في السوق على عدد نسخه، ويجنب الناشر مصاريف التخزين. "التخزين أصبح مشكلة كبيرة للناشرين، في (أفريقيا الشرق) مثلاً لدينا حوالي 1200 عنوان مخزنة بعدد نسخ كبير".
ومن فوائد "الطباعة الرقمية"، بحسب المتحدث أيضاً، أنها تسمح بإجراء تعديلات سريعة على الكتب في حال وجود أخطاء في الرقن أو التصفيف... بخلاف "أوفسيت" الذي يفرض انتظار فراغ الطبعة الأولى لإجراء طبعة ثانية مُعدلة.
سؤال الجودة
إلا أن سؤالا يؤرق بال الكتاب والقراء بخصوص جودة الكتب التي ستتم طباعتها بهذه التقنية الجديدة، إذ اعتادوا على جودة عالية للورق واللصق والغلاف... من توفير الطباعة التقليدية.
من جهته، يرى حميد المرادي، مدير "دار التوحيدي" المغربية، أن "الطبع الرقمي جودته ضعيفة"، وفسر ذلك بالقول: "الورق يبقى مُحملا بكميات كبيرة من الماء، لأن الماء لا يتبخر من الورق كما هو الشأن بالأوفسيت".
وفي وقت يؤكد حب الله أن جودة كتبه ستبقى في نفس المستوى بالطباعة الرقمية، يرى المرادي أن "الرقمي اختيار حين العجز عن انتاج كتاب حقيقي بمواصفات عالمية".
وحتى من الناحية التجارية، لا تبدو "دار التوحيدي" متفائلة بشأن هذه التقنية كما هو الشأن بالنسبة لـ"أفريقيا الشرق"؛ إذ فسر المرادي توجسه منها بكون: "تكلفة النسخة الواحدة رقمياً تساوي تكلفة الأوفسيت على الأقل مرتين، فكتاب من 130 صفحة، من الحجم الصغير مثلاً، تكلف طباعته رقمياً 14 درهماً، بينما بالأوفسيت 6 دراهم".
وبالنظر لنزوع الناشرين المغاربة إلى التنافس في خفض الأسعار، سعياً إلى جذب القارئ، فإن هذا التوجه لا يخدمهم، "إذا حددت ثمن الكتاب في 30 درهماً، فإن البائع بالمكتبة يأخذ 7 دراهم ونصف، والموزع 6 دراهم، وإذا أضفت سعر الطبع الذي أسلفنا ذكره، أي 14 درهماً، فإن الكلفة هي 29,5 درهم، فكم يبقى للناشر وللمؤلف؟"، يتساءل مدير "دار التوحيدي".
مقالات ذات صلة
اقتصاد
نمط الحياة