رياضة
كأس العرش .. الرياضة في خدمة المقاومة
18/11/2021 - 17:04
يونس الخراشيبعد أن خلخلت عريضة المطالبة بالاستقلال؛ التي قدمها الوطنيون إلى الإقامة العامة الفرنسية يوم 11 ينار 1944، كل الأوضاع في المغرب، وجعلت المعمرين يدركون، بما لا يدع مجالا لأي شك، أن المغاربة مصممون على الاستقلال، كانت المقاومة تمضي، قدما، في طريق جديد، يطوي صفحة "المهادنة"، ويتجه إلى حمل السلاح (خلص الوطنيون، بعد عشر سنوات من تقديم عريضة المطالبة بالإصلاحات، سنة 1933، إلى أن التغيير في الأساليب النضالية صار ضرورة ملحة).
ومن بين أكثر الأسلحة مضاء، جاءت الرياضة؛ وبخاصة كرة القدم، لتسهم بدورها في تأطير الشباب، واستنهاض هممهم، لغرض التجييش ضد الاستعمار، والمطالبة بالاستقلال، حتى يعيش المغربي حرا كما كان دائما، عبر التاريخ. ومن تم، طرحت فكرة غاية في الدهاء؛ الاستقلال عن البطولة الكروية؛ الرياضية عموما، المنظمة من قبل الفرنسيين.
وفي تلك الأثناء، ستولد العصبة الحرة؛ بقيادة ثلة من الوطنيين، ضمنهم عبد السلام بناني وعبد الرحمن اليوسفي ومحمد اليزيدي وعمر بوستة، وغيرهم، طرحوا، على الملك البطل محمد الخامس، إنشاء بطولة كروية تدار مغربيا (تحترم كل معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم)، ويكون هدفها رقم واحد : الالتحام بين العرش والشعب، لتسمى : كأس العرش.
ولأن الملك البطل محمد الخامس، باعتباره رمزا للسيادة المغربية، وأبا للأمة، كان المستهدف الأول والأبرز من قبل المعمرين الفرنسيين، فقد صار للمسابقة الكروية؛ الرياضية، الجديدة شأن عظيم، بحيث سرت دماء في العروق، وسمت نجمة في السماء، وعلت على ما عداها من مسابقات، لاسيما وقد ارتبطت بأغلى الأسماء، وصارت نهايتها تلعب في أعز الأمكنة؛ المشور السعيد.
ومثلما كان النجاح حليفا للمؤسسين؛ المناضلين، في اختيار الاسم، فقد كان حليفا لهم أيضا في اختيار تاريخ النهائي؛ إذ ارتأوا أن يقام يوم 18 نونبر من كل سنة، والذي كان المناسبة الرسمية للاحتفال بعيد العرش؛ أو عيد جلوس السلطان محمد الخامس على عرش أسلافه، بحيث تنال مباراة كرة القدم؛ وباقي المسابقات الرياضية (كانت بعض الرياضات تتوج في ذلك اليوم) رمزيتها المستمدة من رمزية اليوم، وقيمته لدى كل مغربي ومغربية.
وسيكتب لتلك المسابقة أن تستمر، وتنتعش، وتنعش الرياضة المغربية كلها، إذ استنهضت الهمم بالفعل، فتجاوبت مع القوى الشبابية، التي راحت تؤسس فرقا في كل حي بكل مدينة، بل وبكل قرية ومدشر، وهي تعرف أن العمل، وبعض الحظ، قد يسعفان في بلوغ مباراة النهاية، والحظوة باللعب في المشور السعيد، بين يدي من يمثل جلالة الملك، من الأسرة الملكية الشريفة، فيذيع الصيت، ليصل إلى أصقاع المغرب كله، متحدثا ومحتفيا ببطل مسابقة كأس العرش.
وقد عرف المؤسسون؛ المناضلون، كيف يستثمرون ذلك النجاح منقطع النظير للمسابقة، بحيث استخدموا الفرق للتوعية بالوضع الحساس الذي يمر به المغرب، والسبيل إلى الخروج من المأزق، ونيل الاستقلال؛ أولا بمعرفة قيمة الوطن، ورمزية العرش، وقيمة السيادة، وما يتعين، إثر ذلك، من تضحيات لبلوغ الحرية، وبعدها، وهو مهم للغاية، تدبير البلاد بالسواعد النقية الفتية، التي تربت على الرياضة، باعتبارها رافعة للنضال والمقاومة، وأيضا بصفتها بناء لمواطن المستقبل.
ومن حسن حظ الرياضة المغربية؛ وحسن حظ المغرب كله، أن الآباء المؤسسين للفعل الكروي؛ الرياضي، المغربي، كانوا من نخبة النخبة، وأنهم كانوا على وعي كامل بمجريات الحدث العالمي، وما يعتمل في كواليسه من "طبخات" و"مؤامرات" للهيمنة على مقدرات الدول الإفريقية والآسيوية، خاصة، لفائدة المستعمرين. وهو ما سيتضح أكثر حينما عمدت الإقامة العامة، في يوم 20 غشت 1953، إلى نفي الملك والأسرة الملكية، خارج الوطن، للهيمنة المطلقة على المغرب.
حينها، ستتبين الشبيبة التي كانت مستهدفة من الفعل الكروي؛ الرياضي، الوطني، النضالي، الغايات المثلى للنشاط البدني المنظم في فرق الأحياء والقرى والمداشر، وأن دورها حيوي للغاية في سبيل التحرير، لاسيما وهي ترى رمز الأمة، وقائدها، منفيا، فضلا عن أن المسابقة التي أسست على أمل الفوز بلقب كأس العرش أصيبت إصابة ماكرة، ويلزم أن يضحى لأجلها، ولأجل رمزها الأسمى. فالاستمرار في الوجود، والنضال لأجله، هو السبيل إلى عودة الملك البطل إلى عرشه ووطنه.
سنوات في ما بعد، وقد عاد الملك محمد الخامس إلى الوطن، ومعه استعيدت حرية بلد وأبنائه، ستنال المسابقة مزيدا من الألق. ويكفي أن أغلبية الذين حضروا مباراة النهائي الأول لكاس العرش، بعد الاستقلال (عن موسم 1956/1957) في ملعب "مارسيل سيردان" (محمد الخامس بدءا من 1983)، كانوا من النساء؛ وجئن ليرين الملك البطل، الذي لم تتح لهن الفرصة لكي يحيينه وهو يعود إلى الوطن في سنة 1955.
وحتى اليوم، وبعده في المستقبل، ستبقى مسابقة كأس العرش الأجلُّ مغربيا. ذلك أنها المسابقة الوحيدة التي يتاح لكل فريق، أيا كان تصنيفه في الدرجة، المشاركة فيها. فهي مفتوحة في وجه الجميع، ويمكن لأي فريق كسب مبارياته في التصفيات، أن يصل إلى النهائي، وينال حظوة حمل الكأس الفضية، التي يكتب له في السجل التاريخي أنه نالها، وإن لم يكن ينتمي إلى القسم الأول بالضرورة.
بكلمات أخرى، إن مسابقة كأس العرش ليست مجرد بطولة تلعب عبر مباريات إقصاء المنهزم. بل هي أكثر من ذلك بكثير، بفعل رمزيتها، وبخاصة رمزية التأسيس، المنبثقة من ظروف شديدة الحساسية، همت الوطن في سيادته وحريته، ومقدراته. إنها مسابقة لا مثيل لها في العالم، وتستحق أن تروى عبر الأجيال.
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
رياضة
مجتمع