مجتمع
توبقال .. عين على القمة وأخرى على جوف الأرض
11/02/2022 - 17:49
مصطفى أزوكاح"إسْرڭ لمْنزل غسڭاسا".. هكذا يشبه محمد،الخمسيني المنحدر من قرية إمليل السياحية، حالة الطقس هذا العام. الغيوم تمضي دون أن تتحول إلى أمطار.. إنها غيوم "كاذبة"، أوأنها تشبه المرأة التي لم يكتمل حملها، فأجهضت قبل أن تضع مولودها.
تظهر الغيومُ، وتختفي. محمد كما كل أهل منطقة إمليل بالأطلس الكبير، يراقب قمة الجبل لعلَّ تلك الغيوم التي تلفها بين الحين والآخر تفيض عليهم بالغيث. يؤكد أن العام الذي تلوح فيه الغيوم وتختفي دون أن تمطر على مدار الأيام، يكون عاما صعبا.
وفي انتظار عودة تلك الغيوم، التي يراقبها الجميع على مدار اليوم، ممنين النفس بأن تطل عليهم كي تجود بالأمطار، تبقي الأنظار متعلقة بذلك البياض الذي يغطي قمة سلسلة توبقال، التي يطل جانب منها على الدواوير التي سكنت جنبات وادي غيغاية الذي يلتقي عنده نهرا أيت ميزان وإمنان.
الشاب حمزة العشريني، ابن قرية إمليل كان هناك. يتردد على القمة من أجل ممارسة رياضة التزحلق على الجليد، يكابد الكثير من المشقة من أجل الصعود إلى القمة، لكن كل شئ يهون في سبيل ممارسة تلك الرياضة مع أترابه.
حمزة الذي يعشق التردد على قمة توبقال، ويحب ممارسة التزحلق على الجليد بتيزي الليكمت، المطل على وادي إمنان، يؤكد بأن الثلوج تتساقط بين الحين والآخر. لا يكون شاهدا عليها إلا من كان قريبا من القمة، على الامتداد الجبلي المشرف على الدواوير المجاورة لِلوادي.
يتطلع الجميع بالكثير من الرجاء إلى القمة التي يشرف جزء منها على قرية إمليل. يتمنون أن يصمد ذلك الرصيد من الثلوج أمام الرياح التي تطوح به والحرارة التي تذيبه قبل الأوان.
في وقت تأخر فيه تساقط الأمطار في المنطقة، يبقى الأمل معقودا لدى ساكنة المنطقة على تلك الثلوج، التي تغذي العيون والأنهار، كي توفر مياه السقي والشرب، خاصة في الصيف.
ماذا لو ذابت ثلوج القمة؟
يرى حسن إدحم، الباحث في علم الاجتماع القروي، أن مستوى الثلوج في الوقت الحالي، يذكر بما يتبقى في في القمة السنوات العادية، في شهري أبريل وماي، إذ قد لا تسعف الناس في أشهر الصيف. ومن المستبعد -إن بقى الوضع على ماهو عليه الآن- أن تصمد إلى تلك الفترة من العام التي يكون فيها الطلب مرتفعا على مياه السقي والشرب.
لا يخفي ذلك القلق الذي ينتابه وساكنة المنطقة، من تداعيات ذوبان الثلوج الناجم، على غير العادة، عن ارتفاع درجات الحرارة في هذه الفترة من العام.
تخلت ساكنة المنطقة على مدى السنوات الماضية عن تربية الماشية و زراعة الحبوب، خاصة الشعير، وتحولت إلى الأشجار المثمرة، التي أضحت، مع السياحة، مصدر رزق السواد الأعظم من أبنائها.
مستوى المياه في الأنهار في هذه الفترة من العام غير مقلق، غير أن الجميع يتساءل حول ما سيكون عليه الحال في الأشهر المقبلة، عندما سيحتاج المزارعون إلى سقي الأشجار التي تطرح ثمارها اعتبارا من شهر ماي المقبل.
يتعلق معاش الساكنة هنا بأشجار الجوز التي عرفتها المنطقة منذ أن كانت. أشجار عمرها مئات السنين، جذورها راسخة في أعماق تلك الأرض، تطرح فاكهتها كل عام وتجود بالسواك.
أشجار الفواكه التي انتشرت في العقدين الأخيرين، كما أشجار الجوز، أسعفت الساكنة كثيرا في العامين الأخيرين، في ظل توقف النشاط السياحي جراء الأزمة الصحية.
بحث في جوف الأرض؟
يستمر أهل المنطقة في مراقبة حركة الغيوم في السماء، لا يتسرب اليأس إلي نفوسهم مهما عبرت دون أن تخلف وراءها الغيث، لكنهم شرعوا في التفكير في سبل تأمين المياه للشرب والسقي، في حال تواصل انحباس الغيث.
في دوار تنغرين، الذي يبعد عن إمليل بحوالي 7 كيلومترات، يخوض الناس في حديث غير معهود في يومياتهم، حتى عندما اشتدت وطأة الجفاف في الثمانينات من القرن الماضي.
إنهم يتحدثون عن حفر بئر قد تؤمن لهم ماء السقي والشرب في المقبل.
لم يكن ذلك الدوار القابع فوق صخرة في جبال الأطلس، والمتشبث بها من عاديات الزمن، ينشغل بالماء، فقد كانت المياه تتدفق من العيون وتنتهي إليهم عبر مجرى النهر، حيث لم يكونوا يتساءلوا عن مصدرها. لكنهم اليوم منشغلون بتأمين المياه.
وقد لاحت لهم فرصة لحفر بئر للقرية، الجميع يتحدث عن تفاصيل ذلك المشروع غير المسبوق في تاريخها. فقد حلت بالمكان في الفترة الأخيرة، ممثلة إحدى المؤسسات التي تقترح على ساكنة دواوير في المنطقة مواكبتهم من أجل إنجاز مشاريع مدرة للدخل.
حسم أهل القرية أمرهم بسرعة. فهم يريدون بئرا لتأمين المياه. عبرت المؤسسة عن استعدادها لتحمل تكاليف حفر البئر، شريطة أن تتولى القرية بناء صهريج لتعبئة المياه المستخرجة منها.
مازال النقاش جاريا بين الساكنة حول مدى استطاعتهم تحمل تكاليف بناء ذلك الصهريج. لا ينشغل دوار تنغرين وحده بالبحث عن الماء. فقد شرعت العديد من الدواوير في وادي إمليل ووادي إمنان في التفكير في طرق تأمينه عبر الآبار، دون أن يتخل أهلها عن الأمل في تساقط الأمطار والثلوج في الأيام المقبلة، هم الذين أضحوا أكثر وعيا بالتغيرات المناخية.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
اقتصاد
رياضة
نمط الحياة