سياسة
الاستقلال.. قصة ثورة ملك ووفاء شعب
18/11/2020 - 12:22
مهدي حبشيفي سنة 1936، توقفت المقاومة المسلحة للاستعمارين الفرنسي والإسباني بالمغرب. وانتقل مشعل النضال في سبيل الاستقلال من جيل قادة عظام ومقاومين كبار من وزن محمد بن عبد الكريم الخطابي وموحى أوحمو الزياني إلى الحركة الوطنية التي اتخذت سبلاً سياسية ومدنية للمناداة باستقلال الوطن.
ولدى اشتداد وطيس الحرب العالمية الثانية، في مطلع أربعينيات القرن الماضي، وتعرض فرنسا للغزو الألماني، ساهم المغرب برجاله وخيراته في تحرير فرنسا، بحسب ما يحكيه الراحل محمد بن الحسن الوزاني في الجزء السادس من كتابه "مذكرات حياة وجهاد"؛ "موقف السلطان من فرنسا قبيل الحرب وبعد اندلاعها، هو موقف كريم جعل المغرب يقف بجيوشه وخيراته بجانب فرنسا المعتدى عليها من ألمانيا النازية".
قد يستغرب الكثيرون مشاركة المغاربة في تحرير الدولة التي تحتلهم، لكن الوزاني يوضح سياق ذلك في مذكراته: "المغاربة لم يختاروا ذلك الموقف إلا دفاعأ عن الحق، والحرية، والعدالة في العالم، وأملا في أن تضحياتهم في سبيل قضية الحلفاء سيؤدي تقديرها حق قدرها، والاعتراف بها كعامل كبير في الانتصار على دول المحور، وفي تحرير أوروبا عامة، وفرنسا خاصة، وإلى ضمان مصير جديد للمغرب، ينال معه حقه المشروع في الحرية التي استبسلت جيوشه في نصرتها ضد قوى الديكتاتورية العاتية".
وكتب الراحل علال الفاسي في مؤلفه "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي" عن هذه الحقبة: "ولقد حاول الألمان أن يجدوا في رجال (الحزب الوطني) مساعداً لهم على عملهم (يقصد ضرب المصالح الفرنسية داخل مستعمراتها)، فلم يظفروا بأحد، ووالوا الدعاية المباشرة بقرب عهد الظفر الألماني الذي يفسح المجال لنيل المغرب نظاماً أكثر حرية وعدلاً، فلم يغر الوطنيين ذلك، وقد استطاع الوطنيون أن يكتشفوا نوايا الألمان ويعرفوا حقيقة مراميهم، وهي أن ألمانيا لا تريد إلا تشييد امبراطورية مبنية على التفوق الجنسي الآري...".
حسن نية يقابل بالخذلان
لكن حسن نية المغاربة ودفاعهم عن حرية الشعب الفرنسي، لم يقابل بالعرفان من لدن سلطات الحماية، يضيف الوزاني: "ولكن الأمر في النهاية أدى إلى خيبة آمال المغرب، ونكران أماني المغاربة من لدن الحلفاء، وفي طليعتهم فرنسا التي اعتبرت أنها لم تفز في الحرب مع الفائزين إلا لتعود إلى سياستها في المغرب، غير ناظرة إلى مساهمته الفعالة في الحرب والنصر بالرجال والخيرات".
تنكر الفرنسيين للجميل فتح آفاقاً جديدة للمغاربة المناوئين للسيطرة الاستعمارية الفرنسية على البلاد، فنشطت الدعوة الوطنية في السر ضد السياسة الفرنسية، وهو ما سيمهد لوثيقة المطالبة بالاستقلال سنوات قليلة بعد ذلك.
ملك ثائر
"إننا نحن المغربيين، نريد أن نعيش في بلادنا أحراراً أعزاء، لا عبيداً أذلة... نريد استقلال المغرب، نعم نريد توحيد البلاد المغربية وأن تكون بها دولة وطنية مستقلة". شكلت هذه الجمل التي جاد بها قلم الصحافي محمد داود بجريدة "الريف" عام 1944، إحدى الشرارات الأولى للمطالبة باستقلال البلاد. وهكذا أصدر حزب الاستقلال "وثيقة المطالبة بالاستقلال" في العام نفسه، فوجِّهت للسلطان محمد الخامس، وإلى المقيم العام الفرنسي علاوة على قنصل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
"فوجئ الفرنسيون بحركة المطالبة بالاستقلال" يروي محمد بن الحسن الوزاني؛ "بعد أن حسبوا أنها لا تعدو ما اعتاده المغاربة من عرائض احتجاج أو لوائح المطالبة بالإصلاحات، واعترف بهذا المقيم العام بيو في ندوته الصحفية بباريس في 23 ديسمبر 1944".
واعتقد الفرنسيون في بادئ الأمر أن أيادٍ أمريكية وبريطانية تحرك المطالب المغربية بالاستقلال، على غرار ما جرى في سوريا ولبنان، وما إن تحققت فرنسا من خلو الأمر من أي تدخل أجنبي، وأنها مطالب مغربية صرفة، حتى شرعت في رفع صرامتها تجاه الوطنيين المغاربة، بعزل كل المسؤولين المنادين بالاستقلال، والتعرض لهم بالمضايقات نفياً وعزلاً واعتقالا... قبل أن تصدَم بتأييد السلطان محمد بن يوسف للحركة الوطنية في دعوتها للاستقلال، ما شكل ضربة موجعة للتواجد الاستعماري بالمغرب، باعتبار أنه لا سند قانوني له دون تأييد من سلطان البلاد.
يحكي علال الفاسي في كتابه عن هذه الأحداث قائلاً: "وقد كان الاندهاش عظيماً في نفوس ولاة الحماية، ولكنهم لم يتقدموا لرد الفعل إلا بعد أن اطمأنوا على حياد جيوش الحلفاء المرابطة في البلاد".
"أما جلالة الملك فقد استدعى يوم 13 يناير المجلس الوزاري للانعقاد في شكل مؤتمر يضم كثيرا من رؤساء البلاد وأعيانها... وقد افتتح جلالته هذا الاجتماع مخبراً الحاضرين بالميثاق الذي رفعه لجلالته (حزب الاستقلال) ومستوضحا رأي كل واحد في الموضوع، فأبدى الكل مصادقته على الميثاق، وأعلن استنكاره العظيم لسياسة الحماية...". يروي علال الفاسي.
وفي العاشر من أبريل 1947، زار الملك الراحل محمد الخامس مدينة طنجة، وألقى فيها خطابا أعلن فيه عن وقوفه في صف تحرير المغرب من الهيمنة الإستعمارية، وتحرره التام من أي شكل من أشكال السيطرة والتدخل الخارجي.
ولن يقف الراحل محمد الخامس عند الخطابات الشفوية، بل سيترجم توجهه التحرري من خلال الامتناع عن توقيع الظهائر والمصادقة على قرارات سلطات الحماية، مما سيجر عليه قراراً انتقامياً من لدن هذه الأخيرة، التي قررت نفيه عام 1953، وتنصيب "محمد بن عرفة" سلطاناً على البلاد، يشتغل كـ"دمية" لديها ولا يعارضها في أمر.
اندلاع ثورة الملك والشعب
حرّض نفي الراحل محمد الخامس الدافع الاستقلالي لدى المغاربة، وأماط اللثام عن انعدام أدنى حسن نية لدى سلطات الحماية لتمتيع البلاد باستقلالها، أو حتى احترام بنود معاهدة الحماية، التي كانت تنص على تعاون فرنسا مع السلطان المغربي قصد إجراء إصلاحات في البلاد.
الحدث سيشكل شرارة عودة الشعب المغربي للكفاح المسلح بعد نحو عقد ونيف من المقاومة السياسية والسلمية. وستتشكل خلايا فدائية وتنظيمات سرية، كما سيسطع نجم مقاومبن من قبيل علال بن عبد الله ومحمد الزرقطوني. وطوال عامين سيهتز الشارع المغربي على وقع مظاهرات عارمة وأعمال فدائية رفضت قطعاً المساس بمكانة الملك الراحل، باعتباره رمزاً سيادياً للبلاد، ثم تشكل جيش التحرير بشمال المملكة... ولم تخبُ هذه الثورة، إلا بإعلان الإدارة الاستعمارية الخضوع لإرادة المغاربة، وعودة الملك الراحل وأسرته في 16 نونبر 1955 من المنفى إلى أرض الوطن.
في نهاية سعيدة، تليق بخالدات الرواية العالمية، أسدل الستار عن الحماية الفرنسية على المغرب رسمياً في الثاني من مارس 1956، بحيث استمرت الإقامة العامة في تسيير البلد في الشهور التي تلت عودة سلطان البلاد. أما قرار الاحتفاء باستقلال المغرب في 18 نونبر، فقد اتخذ من قِبل الراحل الحسن الثاني، لأنه تاريخ ينسجم مع ذكرى جلوس والده محمد الخامس على العرش، والذي شكل لحظة الاستقلال الفعلي للبلاد، قبل الاستقلال الرسمي في مارس التالي.
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة